كتبته: غيداء جمعان
في بداية دخولي للميدان التطبيقي لما تعلمته في التخصص الجامعي هناك -لأول مرة- واجهت العديد من المواقف المربكة لي كميسر للعملية التعليمية.
كنت مشتتة أثناء التقديم أسابق الوقت وأسئلتي حتى لا تمضي الدقائق الأولى وأبدأ بملاحقة انتباه الأطفال لي، فأبدأ بتنبيه عائشة عن الكلام مع بسمة، وأعيد سرد قوانين الحلقة على سليمان ويوسف وأذكّر علي بالاستعمالات اللطيفة لليدين حتى لا يعبث بالأدوات من حوله.
ظننت في بادئ الأمر أن السبب هو عدم تعودهم علي كوني كوني شخص جديد عليهم، لكن بعد مضي ثلاثة أسابيع تقريبًا بدأت تتكرر تلك السلوكيات من الأطفال كثيرًا وتزيد في شدتها، ومهما بذلت من مجهود في التوجيه والتذكير تبقى تلك السلوكيات تعيق سير عملية التعلّم.
قررت آنذاك أن أعمل على خطط تعديل سلوك لكل طفل خصوصًا أن كلًا منهم بدأ يظهر سلوكيات جديدة مع تلك السابقة. وأول وأسهل شيء فعلته هو إطلاق أحكام ومسميات سريعة عن تلك السلوكيات وتصنيفها كمشكلة.
من هناك حاولت تفكيك المشكلة وبدأت أجمع معلومات صغيرة تحل لغزي مع أولئك الصغار.. أعدت التفكير في كل ما يسبق تلك السلوكيات المربكة بحثًا عن السبب الرئيسي.. ثم تسألت لأول مرة بعد عدة أسابيع هل يمكن أن أكون أنا السبب الأول؟
أعلم تمامًا كيف يمكن أن يخلق هذا السؤال مشاعرًا مزعجة، تشعر حينها أنك على وشك الدخول في دوامة صراع مع ما تعتقده عن نفسك في مكانك الحلم وبين ما أنت عليه في الواقع؛ تلك المشاعر المزعجة دفعتني بقوة للمواجهة لتحليلها والتخلص منها.
أخيرًا أمسكت بيد المشكلة …
في الحقيقة أدركت بأنه في كثير من المرات كنت أنا المتسبب الأول في ظهور تلك السلوكيات وليس الأطفال.
وأن تلك الأحكام والسلوكيات التي ظننتها تحتاج لخطة تعديل ما هي إلا شرارات أطلقها الأطفال لتنبيهي لإعادة تخطيط المادة المقدمة لهم وفقًا لحاجاتهم.
أتذكر كيف كانت تلك الحقيقة مزعجة بالنسبة لي لكن لا بأس تقبلت ذلك الشعور. وأدركت أن السعي لجذب انتباه الأطفال لي هو مسؤولتي الأولى التي لا يجب أن ألقيها على عاتقهم.
وأن أنظر بعين الاعتبار لمدة الانتباه التي يستطيع الأطفال منحي إياها استنادًا على خصائص مرحلتهم العمرية وانطلاقًا من هذه النقطة عليّ أيضًا استيعاب الفروق والحاجات الفردية فيما بينهم أثناء التعلم.
والتي سيساعدني تقديرها على فهم كيفية تقييم السلوك وتحديد ما إذا كان خاطئًا أم أنه لا يتناسب فقط مع تلك الحقائق الجامدة التي تم تلقيني إياها عن الإدارة الصفية لمرحلة الروضة والتي لا تستوعب حاجات الأطفال كما يجب وكما يكون (الواقع) ولا تعطي مساحة كافية لاحترام الفروق الفردية حتى في الحركة و مقدار الانتباه أثناء الفترة التعليمية.
فلعل هذه التدوينة تكون كملاحظة مكتوبة ومثبتة لي وللقراء تذكرنا سويًا أننا إن أردنا إعادة توجيه انتباه الأطفال لنا فعلينا البدء من أنفسنا أولًا… ولا نتوقع أننا المسبب الأول لكل تلك المواقف ولكن دائمًا سنبدأ من حيث نكون نحن الكبار.