كتبته: غيداء جمعان
واحد من أكثر الأسئلة التي تطرح عليّ هو سؤال كيف نبحث أو نكتب عن الطفولة؟ ما الذي يعين على العمل في الطفولة؟ ولعل أكثر من سيهتم بهذه التدوينة هم المستقلين المتخصصين في الطفولة اللذين أعمل معهم من أجل (أبوان).
نتفق أنه قلما توجد خطوات محددة تنفّذ لعمل صحيح بشكل محدد لجميع العاملين لعدة أسباب لا يسع ذكرها هنا لكن من من أجل إيجاد أفضل جواب للسائلين، عدت لتجربتي اليومية في العمل مع الأطفال الذين جعلوني مهتمة بالبحث ومعلمة في وقتٍ واحد؛ ولمحت في هذا أن البحث والاستقصاء الذي يجريه الباحث هو ما يفعله ويحتاج إليه المربّي في الوقت ذاته.
في كثير من المرات يتطلب العمل مع الأطفال الوصول للاستبصار أي استخدام القدرة على النظر بداخلنا وفهم حالتنا ثم استخدام ما نتعلمه للوقوف المؤقت والنظر إلى الموقف أو الموضوع بحكمة تجعلنا أكثر تحكمًا في العواطف والظروف الصعبة، فنكون أقرب للتمتع برؤية أوسع ونضع الأمور في نصابها.
تأتي معاودة الاتصال بمرحلة الطفولة كتجربة شخصية فيها الكثير من تطبيق الاستبصار بحالتنا وتعطي بعدًا مقاربًا أو واضحًا لبعض ملامح تجرِبة الطفل. وما تلك إلا محاولة تعين على فهم الشعور والحاجات التي قد يمر فيها الطفل دون أن يُحسن التعبير عنها.
تلك المحاولة للعودة بالذاكرة إلى مرحلة الطفولة أثناء العمل بأي شكل في مجال الطفولة تسمح لنا بالانفتاح على الطفل والخروج الاختياري من عقلية البالغ إلى عقلية ذلك الطفل الذي يسكب الألوان رغمًا عنه؛ لأن عضلات يديه ما زالت ضعيفة، أو يسبب الفوضى في ركن الأدوات المكتبية؛ لأنه يريد أن يستكشف آلية عمل كل قطعة، وأن كل ذلك وأكثر علينا إدراكه نحن البالغين، كمحاولة لفهم الطفل للبيئة والمحيط من حوله، وليس محاولة عبثية لافتعال المشكلات أو تجاهل حديث الموجّه للمساحة.
يمتد الأثر الإيجابي لتفحص مرحلة الطفولة المنصرمة لاستيعاب تلك المواقف المؤثرة والمربكة التي اختبرنا فيها شعور الظلم أو القسوة لأول مرة؛ مما قد يجعلنا اليوم كعاملين لا ننسى في الكتابة والبحث أو في التواصل ألا نحكم بسلبية السلوك الصادر عن الطفل وحده ما لم نقرأ المشهد كاملًا بتفاعل متضمن الطفل والبيئة وبقية الأطراف الأخرى إن وجدت. ذلك ما يساهم أيضًا في اختبار الأسلوب التربوي الأنسب، وقياس الأثر النفسي أو السلوكي للأسلوب من وجهة نظر المربين.
وهو في نفس درجة التأثير؛ مما يعين الباحث على الوصول إلى جذور المشكلة الأساسية.
وانطلاقًا من ذلك الماضي يمكننا أيضًا استيعاب ما كان عليه آباؤنا وموجهونا في صغرنا، وبشكل أكثر دقة فهو يعيننا لكي ندرك مقاصدهم ونرى بموضوعية ما عاصروه وأثّر بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في توجيههم لنا، وبالتالي فإن هذا منعطف يغير في طريقة تعاطينا مع مشكلات الأطفال، ويساعد على تحديد مسار البحث أو الموضوعات بدقة، أو قد يعين على طرحها بشمولية.
ولأننا نعود بذاكرتنا للطفولة كمجربين لحقيقة متطلبات الحياة، فإننا ندرك المهارات المفقودة التي لم نكتسبها منذ فترة الطفولة، ومن ثم لم نجدها تعيننا على واقعنا اليوم كبالغين. هذا ما يجعلنا اليوم كعاملين في الطفولة نعرف بعمق أكثر إذا تبصرنا في أنفسنا ما يحتاج إليه الأطفال من مهارات وخبرات تضمن لهم مستقبلًا أكثر استقرارًا.
ومن هنا ومع باقي مهارات المعلم المتخصص والمربي المتجدد والباحث الجيد؛ تجوّد المخرجات؛ وتُصقل القرارات التربوية والمقالات والسيناريوهات كخلاصة مجرّبين ناقدين.