كتبته: غيداء جمعان
تنسب للرحلات العائلية العديد من المفاهيم والذكريات الجميلة التي نحتفظ بها في ذاكرة طفولتنا. ويعود الأمر لخصائصنا في التعرف على العالم من حولنا في تلك الفترة، حيث كانت المناظر والمواقف التي تمر بنا بمثابة كنوز معرفية توقد في ذهننا ألف سؤال وجواب يزيد من اتساع رقعة متعتنا.
إننا جميعنا ندرك فائدة الرحلات العائلية كجرعة ترويحية ضرورية، لكن سؤالي كان:
كيف نجعل الرحلات العائلية لأطفالنا محطة لاكتساب خبرات جديدة وتعزيز مهاراتٍ أخرى؟
نستطيع البدء دائمًا من لحظة تنبهنا للأمر، ونحن هنا سنبدأ من الخطوة الأولى للاستعداد للرحلة.
التخطيط للرحلة
منذ لحظة التخطيط للرحلة تبدأ مهمتنا مع الطفل، ضع هدف معين ترمي إلى تحقيقه مع طفلك وليكن مثلًا: مهارة البحث عن المعلومة. حدد خطوات تحقيق الهدف، والبداية هنا قد تكون مناقشة الطفل للبحث عن المكان المناسب للرحلة. اطلب منه تصفح googel للبحث عن الأماكن المناسبة، وحدّد له الشروط المهمة لاختيار المكان (داخلي/ خارجي، مجاني أو مدفوع…إلخ)، هذا التصرف البسيط ينمي قدرة الطفل على النقد والتحليل كما أنه سيتعلم كيفية الوصول لمعلومات أكثر دقة واتساق مع مهمته البحثية.
بعد جمع المعلومات شارك الطفل وضع الخيارات المستخرجة للمقارنة، علّمه كيف يفاضل بينها وناقش الأفكار بطرح أسئلة مثيرة للتفكير مثل: لماذا قد يكون الذهاب لفقيه أكواريوم أفضل من التنزه على الشاطئ؟ ماذا لو وضعنا الطقس في اعتبارنا، ماذا سنختار؟ دع الطفل يستنبط خصائص الأماكن ويناقشها بمنظوره هو. قد تكون هناك فرصة لكي يمرر رغباته هو فانصت له جيدًا، وانتبه للأمر الذي يجب استغلاله مثل الاختيار بين التركيز على التفاوض معه أو تركه يتعلم الإقناع من خلال طرح رأيه على باقي أفراد الأسرة. ركّز دائمًا على ما يجب تعزيزه أو تعديله أو اكتسابه.
اقتراحات إضافية: حددّ مع الطفل يوم أو ساعة معينة لعرض الخيارات التي جمعها، ستكون فرصة ثمنيه لتدريبه على مبدأ الالتزام والتحدث أمام جمهور-عائلته- وسيحاول أيضًا إدارة وقته بنفسه.
الاستعداد للانطلاق
قد يكون هناك مجال لإعطاء الطفل مهمة التأكد من الأدوات والأمتعة اللازمة للرحلة، هذه الخطوة – وإن كانت تبدو لنا نحن الكبار مملة – قد تكون ممتعة لدى الطفل خصوصًا إذا ما تم إعطاءه قائمة مصورة بالأمتعة والطلبات. كما أنها فرصة لتعويد الطفل على تحمل المسؤولية. ومن هنا أيضًا دع الطفل يرعى احتياجاته، أعطه الحقيبة الملائمة لحجمه ووزنه ودعه يملأها بمستلزماته ويكون مسؤولًا عن حملها. هذا الفعل لا يلهي طفلك عن تبني سمات الشخصية الاتكالية فحسب إنما سيخفف العبء عنك، وسيتعيّن عليك توجيه انتباهك للواجبات الأكبر والأكثر أهمية.
ولا ننسى التذكير بالأدعية المناسبة، مثل دعاء الخروج من المنزل أو ركوب السيارة أو السفر.
في طريق الرحلة
سواء بالطائرة أو القطار أو السيارة هناك فرصة دائمًا لنثر الكثير من الأحاديث اللطيفة بصحبة أطفالنا. قد نستعين بالألعاب التي لا تتطلب أي وسائل، أو وسائل ورقية وأدوات بسيطة لكنها في ذات الوقت تجعلنا نفهم طفلنا أكثر، مثل “لعبة مكعب” المشاعر الذي يتكوّن من ستة أوجه تعكس مشاعر مختلفة وعليك سؤال طفلك عن متى شعر بالحزن مثلًا إذا ظهر الوجه الحزين على سطح المكعب.
تكشف هذه اللعبة الكثير من مكنونات أطفالنا، وتبيّن لنا الأثر الحقيقي لتلك المواقف التي ظنناها عابرة، ولكنها بقيت في وجدانهم.
وقد تكون هناك فرصة للعب لعبة جماد حيوان بلاد…إلخ، أو قراءة كتاب مفيد، أو تمضية الوقت بلعبة العصف الذهني والتي نقول فيها مثلًا: اذكر لي استعمالات مختلفة للقلم غير الكتابة.
يمكنك أيضًا لعب لعبة ” أقرأ لي” إذا كان الطفل أصغر سنًا أي ما بين ثلاث شهورإلى ثلاثة سنوات.
وفي كل الأحوال مسافة الطريق وقتًا مناسبًا لإعادة سرد خطة الرحلة عند الوصول؛ لأن هذا التصرف يساعد الطفل على تكوين صورة واضحة لما عليه فعله بالتالي سيكون أكثر هدوء وانضباط.
الوصول للمكان
كن الموجه للأماكن الصحيحة، العب دور المستكشف مع الطفل حاول أن ترى الأِشياء وكأنك تنظر إليها لأول مره، هذا الفعل لا يحقق للطفل متعة مشاركتك له لكنه بالفعل يروح عن نفسك.
ابتكر أو صمم الألعاب الملائمة للمكان كلعبة البحث عن الكنز إن كانت الرحلة برية، وسيكون من الممتع لو تم التخطيط لهذه اللعبة من المنزل وتم صنع خرائط ورقية مدون عليها خطوات البحث عن الكنز! تلك اللعبة تنمي عند الطفل الكثير من المهارات العقلية مثل مهارة حل المشكلات.
ساعد الطفل على تفسير الظواهر التي يراها أمامه إن كان يرى، المد والجزر، أو المطر، أو قوس قزح. دعه يتأمل وشاركه التأمل ثم اطرح الأسئلة المثيرة للتفكير مثل تلك التي تبدأ بماذا لو…؟ أو ما التأثير الذي يترتب على…؟ أو ما رأيك في …؟ أعطنى مثال على …؟ صف ما الذي تراه أمامك ثم يأتي دور أسئلة المشاعر التي تعمّق الإحساس بالتجربة لأنها تدع الطفل يصف ويعبر عمّا يشعر به فتكون مثل: ما هو شعورك الآن؟ ما الذي جعلك تشعر بهذا؟
ولنضع في اعتبارنا أيضًا أن المكان دائمًا يفرض عدة أنشطة متنوعة ملائمة له ونستطيع من خلالها استهداف السلوكيات التي نود زرعها أو نزعها تدريجيًا.
العودة للمنزل
دع طريق العودة امتداد لمتعة الرحلة اسمع لرأي الطفل عنها، وهنا أيضًا فرصة عظيمة لممارسة مهارة التفكير النقدي دع الطفل يتحدث عمّا أعجبه في الرحلة وما الذي يوّد تعديله أو إضافته لو عاد به الوقت.
هكذا يجب أن تكون أوقاتنا مع أطفالنا بهذا القدر من الحضور الذهني؛ لأن عملية التربية لا تتم إلا باستغلال المواقف والانتباه لها، أو حتى خلقها إذا تطلب الأمر. من جانب آخر كل تلك المواقف المخطط لها والعفوية تشكّل روابط علاقتنا مع أطفالنا، وترفع من رصيد ذكرياتهم معنا في تلك المرحلة العمرية التي سرعان ما سننتبه أنها أصبحت ماضي.
الآن: في حال اجتهدنا للتخطيط لرحلتنا فما الذي يستحب فعله لنتجنب التشنجات التي تعرقل عملية الاستمتاع بالرحلة؟
– كن مرن، تقبل أن تتغير خطة سير الرحلة لأي سبب ودع هدفك الأكبر الذي تصبو إليه هو تحقيق المتعة والفائدة في آن واحد.
– كن مستعد نفسيًا لأي أمر قد يحدث بسبب وجود الأطفال في الرحلة مثل الطلب المتكرر للذهاب للحمام، وخذ الاحتياطات التي تقلل من تلك الرغبة مثل: عدم الإكثار من الشرب السوائل على الأقل لحين الوصول للمكان.
– لا تنسى أخذ وجبات خفيفة للأطفال لسد جوعهم.
-إذا أخذت ملابس احتياطية للطفل فخذ لك أنت أيضًا؛ لأن الرحلة مع الأطفال قد تضطرك أحيانًا لتبديل ملابسك لأي سبب كان.
– تأكد دائمًا أن الطفل يحفظ أرقام التواصل بك، لكي يستطيع الوصول لك عند الضياع لا سمح الله، وإذا كان الطفل لا يستطيع الحفظ والتخاطب ضع إسورة في يده مدون عليها بيانات التواصل بك.
– إذا كانت الرحلة طويلة فخذ للأطفال بعض الألعاب البسيطة أو الكتب التي تملأ وقتهم لحين الوصول.