اللياقة البدنية: كيف تدعم تطور الأطفال المعرفي والنفسي والاجتماعي؟

كتبته: غيداء جمعان

خلال فترة الطفولة تأخذ الحركة تسلسلًا مختلفًا لقياس مدى التطور البدني للطفل، الذي ينعكس بدوره على التطور المعرفي والنفسي والاجتماعي لدى الطفل؛ حيث تدعم الحركة والانتقال من مشهد إلى آخر عملية التعلم، وتزيد من إحساس الطفل بما حوله من أشخاص ومشاعر وانفعالات وبيئة مادية تؤثر في خبراته. واستمرار الطفل على نظام متدرج من الحركة والنشاط يأخذه إلى مستوًى جيدٍ من اللّياقة البدنية الضرورية لتطوره في جوانب متعددة إليكم بعضًا منها:

صحة عقلية تساهم في التطور المعرفي

هل سمعت بالارتباط بين اللياقة البدنية الهوائية وأداء الذاكرة؟

لقد توصلت بعض الدراسات إلى أن الأطفال ذوي اللياقة العالية يقومون بأداء أفضل على مستوى الذاكرة والتعلّم. خاصةً في الذاكرة العلائقية (Rational memory) التي تعمل على تخزين وتذكر العلاقات والارتباطات بين مفهومين أو أكثر في الأشياء أو الأحداث؛ مما يُسْهِم في تحسين تطورهم المعرفي قياسًا بأقرانهم الأقل لياقة بدنيًا.(1)

ثقة بالنفس أكثر وصحة نفسية أفضل

تعمل الحركة والأنشطة الرياضية كمجال حر للتنفيس عن النفس، وبمجرد مرور دقائق من التمرين لدى الطفل تنطلق هرمونات تعزز الشعور بمزاج أفضل؛ مما يخفف التوتر والقلق.

لذلك فإنَّ اللياقة البدنية لدى الأطفال ترتبط بمعدلات قلق منخفضة، والجدير بالذكر أن عامل المرونة النفسية –وهي قدرة الفرد على التأقلم مع مصاعب الحياة- بمنزلة الجسر الرابط في علاقة اللياقة البدنية بانخفاض القلق النفسي؛ أي أن اللياقة البدنية وما تشتمل عليه من ممارسة التمارين الرياضية والمحاولات والالتزام بالغذاء المناسب لها أثر فعال في بناء المرونة النفسية لدى الطفل، ومن ثَمَّ معدلات وقلق منخفضين. (2)

إضافة إلى ذلك التمتع باللياقة يعطي الطفل إحساسًا باحترام جسده، وثقة مطلقة في مظهره؛ وهذا يحد من تكرار التجارب المحبطة التي يتطلب تنفيذها لياقة بدنية مثل: الألعاب المنظمة الحركية، أو بعض الممارسات الروتينية مثل: صعود الدرج أو حمل الألعاب وإعادتها إلى مكانها.

وفي الدائرة نفسها تعود اللياقة لتدعم استقلالية الطفل؛ مما يُعطيه فرصة لتحقيق هدف معين يمده بشعور الرضا تجاه ذاته، وتجعل الطفل جزءًا من مجموعة اجتماعية تساعد على زيادة تقديره لذاته، وترفع نسبة قبول الأقران له؛ مما قد يُسْهِم في إبعاد الطفل عن بعض عوامل الخطر للسلوكيات المعادية للمجتمع، وانخفاض التعرض للفرص الاجتماعية الإيجابية بسبب التنمر أو الرفض.

كيف تساعد اللياقة على دعم المهارات الاجتماعية؟

تعلم الانتماء للمجموعة: يتعلم الإنسان منذ الطفولة كيفية الانتماء للمجموعات، ونعدها مهارةً حياتيَّةً مهمة ومكتسبة.   إنّ خلق شعور الانتماء يمثّل تحديًّا للأطفال؛ فعندما تسمح لياقة الطفل بمشاركته في ألعاب حركية، فإنه يختبر الكثير من المفاهيم حول كيفية الاندماج مع المجموعة من خلال: الانتباه للآخر، والبحث عن نقاط القوة في العمل كفريق، وتعلم التركيز على هدف مشترك بين مجموعة، وتقبل الآخرين أو حتى قيادتهم.

تعلم إثبات الذات وسط المجموعات: تعلم إثبات الذات مهارة تحتاج إلى ممارسة مُكَثَّفة عند الطفل. وبيئات الألعاب الحركية الجماعية مثل: كرة القدم والتنس تعطي الطفل إحساسًا عاليًا بذاته عندما ينجح أو يعمل وسط الفريق؛ ولأن إثبات الذات يحتاج إلى الوصول لمرحلة متزنة من التفاعل مع الآخرين، فإن هذه البيئات تدرّب الطفل على التواصل الإيجابي فلا يكون ضعيفًا ولا متسلطًا، وتساعده على تعلم مهارة حلِّ النزاعات والدفاع عن نفسه في وسط مجموعة، والدفاع عن الآخرين في فريقه.

تعزيز التواصل: التواصل الفعّال أحد أهم المهارات الاجتماعية.  وتساعد اللّياقة البدنية هنا على الانخراط في أنشطة جماعية حركية تدرّب الطفل من خلال المشاهدة والممارسة على مهارات تواصلية دقيقة مثل: الإنصات للآخرين، وتعليم مهارة طرح الأسئلة عندما يشعر الطفل بحيرة تجاه أمر ما، والتدريب على التواصل البصري والتفاعل بتعبيرات الوجه والجسد، وقول الكلمات اللطيفة مثل: من فضلك، شكرًا، لو سمحت.

كيف نعزز اللياقة البدنية؟

لتعزيز اللياقة البدنية لدى الطفل مدى الحياة ..نحن بحاجة إلى شحن المعنويات الإيجابية لدى الطفل وتحفيز الدوافع لديه من خلال تشجيعه ومساعدته على فهم الأثر الإيجابي للحركة واللياقة، ومن ثَمَّ التوجيه الصحيح له ومساعدته على رسم أهدافه حولها وتحقيق النجاح في أي نشاط حركي أو رياضي،   على ألا يُجبر الطفل على الالتحاق ببرنامج  يشعر فيه بالتنافسية المؤذية أو الإحراج، أو أن التمرين يشكّل له تحديًا لا يزال غير مستعد له نفسيًّا أو جسديًّا؛ لأن علينا –أيضًا- أن ندرك أنَّ اللياقة لا تتطلب نوعًا واحدًا أو نمطًا معينًا من الأنشطة والتمارين الحركية، ونستطيع تيسير الطفل لها بما يحقق له المتعة ويتناسب مع احتياجاته.

المراجع:

  1. Laura Chaddock, Kirk I. Erickson, Ruchika Shaurya Prakash, Jennifer S. Kim, Michelle W. Voss, Matt VanPatter, Matthew B. Pontifex, Lauren B. Raine, Alex Konkel, Charles H. Hillman. A neuroimaging investigation of the association between aerobic fitness, hippocampal volume and memory performance in preadolescent childrenBrain Research, 2010; DOI: 10.1016/j.brainres.2010.08.049