كتبته: غيداء جمعان
إن فنون الدفاع عن النفس تعد واحدة من الفرص لتطور الطفل جسدياً وعاطفياً، ومن المتعارف عليه أننا عندما نسمع بالفنون القتالية فإننا نظن أنها تتمحور حول تشجيع الطفل على القتال، لكنها فعلياً ليست كذلك في أغلب الأحيان. ولا تنحصر فائدتها على الطفل في تحصينه للدفاع عن نفسه فحسب، بل تمده بمهارات ومفاهيم ضرورية للتنشئة السليمة.
كيف توثق الفنون القتالية علاقة الطفل بذاته؟
بداية هي تركز على الدفاع، وكل فن منها يحتوي على عدد من المهارات والحركات التي لا يسمح للطفل بتطبيقها مباشرة حتى يكبر، وتتكون لديه مهارات متقدمة تمكنه من حل النزاعات بطريقة سلمية وغير عنيفة.
وهي تبني وعي الطفل بما يعرفه عن نفسه ويرفع من ثقته بها، وإذا ما أخذنا صورة من تأثير المهارات على ذاتنا فإننا نحن الكبار تتحسن علاقتنا بذاتنا كلما زودناها بمهارات تعود عليها بالنفع، وهذا ما يشعر به الأطفال كذلك. فكلما أدرك الطفل أنه يمتلك القدرة الكافية للدفاع عن نفسه، أو أنه يمتلك المهارة ذاتها من ضمن حصلية المهارات الأخرى لديه، زاد تقديره لذاته؛ لأنه يدرك أنه في مأمن إذ يستطيع أن يدفع الأذى عن نفسه.
هذا ما يجعله أيضاً لا يتجنب الأقوى منه أو يشعر بالضعف تجاه شخص ما، وهنا نتحدث عن الضعف النفسي النابع من الداخل، وعن الضعف الذي يشعر به الطفل لهزالة جسمه أو صغر حجمه أمام الخصم.
لذلك من المهم تحصين الطفل بآليات المرونة والتكيف للتعامل مع التهديد، ويتحقق ذلك بدعم الفنون القتالية للياقة البدنية والنمو السليم، حيث تساعد في التنسيق الحركي بين الجزئين العلوي والسفلي من الجسم.
التدريب على مهارة صناعة القرار قد تبدأ من فصول الفنون القتالية
يعد الاستماع والمراقبة الفعالة جانباً أساسياً لتعلم الحركات الجديدة، إذ سيتعلم الأطفال أيضاً تطوير مهارات رد الفعل السريع من أجل تغيير الاتجاهات في أية لحظة، واستيعاب المخاطر والسبب والنتيجة.
وهذا يساعد الطفل على تطوير مهارة صناعة القرار؛ فالفنون القتالية تساعدهم على الرد والحكم على الموقف أمام الخصم بسرعة، وفي خضم الشعور بالضغط والتوتر.
فتعلم الطفل كيفية استخدام جسمه والتفاعل بسرعة، من خلال القيام بحركات الدفاع التي تشعر الأطفال بإمكانيات أجسادهم في الفضاء بشكل يدعم المهارات الحركية ويبصرهم لفهم تأثير قوة العقل على الجسم، وهذا الاستيعاب الدقيق لقوة العقل والجسم يرفع من وعي الطفل بذاته وقدرته على تنظيم ردود فعله؛ لأنه المسيطر والمتحكم في ردود الفعل.
الفنون القتالية كمعلم لمهارة السعي لتحقيق الأهداف والانضباط الذاتي
يتمد أثر الفنون القتالية لمهارات مستقبلية مهمة، فعندما يختار أبوا الطفل أحد الفنون القتالية لتدريب الطفل عليها سيجدون أنها كلها تحتوي على تصنيفات أو مستويات ينتقل لها الطفل تدريجياً، وهذا يعلم الطفل التركيز على هدف واحد ثم تحقيقه والارتقاء لما بعده.
كما أنها تركز على مقارنة الفرد بنفسه دون الجماعة أو الأقران، مع التكرار والانضباط في تعلم مهارة حتى الوصول إلى إتقانها، وهذا يعلم الطفل الانضباط الذاتي والصبر لتحقيق الأهداف، وهي مهارة يستطيع الطفل تبنيها في حياته بعد التدريب التدريجي عليها، وستنعكس إيجابياتها على حياة الطفل في مجالات عِدّة.
تعلم التواصل الفعّال من خلال الفنون القتالية
ما تضفيه الفنون القتالية على مهارات التواصل لديهم هو فهم التواصل الفعال في مواضع متعددة، حيث إن الطفل أثناء ممارستها يتحسس باستمرار المفهوم الدقيق عن ضبط واختبار الحدود مع الآخرين، فعندما يتعلم الطفل الركل وصد الركلات وأخذ وضع الدفاع والهجوم، أو كيفية الهبوط بأمان، فهو يحاول قياس الحد الذي سيثير رد فعل خصمه تجاهه.
خصوصاً ما إذا تمكن من التدريب على مستوى تراتب اجتماعي مختلف من التعلم إلى الأقران والأصغر منه سناً أحياناً، فإنه يكسبه مزيداً من القدرة على استيعاب شكل التواصل الأمثل مع شخصيات مختلفة من حوله.
ولا تنحصر المنافع المحصودة من وراء تعليم الأطفال للفنون القتالية إلى ما ذكرناه، فقد تنمو لديهم مهارة واحدة ومنها تتعزز مهارات فرعية متعددة. إذ إن دعم اللياقة البدنية وممارسة الفنون القتالية يؤثران إيجاباً في تطور الأطفال المعرفي والاجتماعي والنفسي، وكل منهما ينعكس على جودة حياة الطفل.