ما الذي يجب أن يفهمه الأطفال عن الموت؟

أعدته: غيداء جمعان

يتحيّر الكثير من الآباء والمربين في تقديم مفهوم الموت للأطفال بالرغم من أهميته، فهو ظاهرة قد تحدث في محيط الطفل فيكون غير مدركًا لمعناه فيتأثر نفسيًا خصوصًا  إذا كان الموت قد وقع على أحد أفراد عائلته أو حيوانه الأليف أو أصدقائه فإن الصدمة التي يتعرض لها تكون قاسية وقد يبقى أثرها في نفسه طويلًا.

لكن التدخل لتقديم هذا المفهوم للطفل يحتاج إلى حكمة وخطوات مدروسة وأسلوب علمي صحيح حتى لا يسبب مفهوم الموت الرعب والأذى النفسي للطفل.

مفهوم الموت وفروعه الأربعة

ينقسم مفهوم الموت إلى أربعة مفاهيم فرعية من وجهة نظر العالم بياجيه هي 1– اللاعودة: أنه لا يمكن أن يعود الإنسان من الموت. 2- العمومية: جميع الكائنات الحية تموت. 3- الحتمية: أن الكائنات الحية تموت لا محالة. 4- عدم الوظيفية: توقف جميع الأعضاء الداخلية.

الفروع الأربعة لمفهوم الموت وعلاقتها بعامل الوقت

اللاعودة تعتمد على الوقت حيث أن الوقت يسير بشكل خطي مستقيم غير قابل للعودة إلى الوراء ، وإذا أدرك الطفل أن هناك لحظة معينة تموت فيها الكائنات لا محالة فإن ذلك دليل على أن لديه قدرة على إدراك مفهوم الزمن والوقت وبذلك فهو يعي معنى الحتمية. وإدراك الطفل أن توقف الأعضاء الداخلية يحدث بسبب انتهاء العمر الافتراضي والزمني للجسم فنحن نولد ثم نعيش ثم نموت وبذلك فإن توقف الأعضاء الداخلية مرتبط أيضًا بمفهوم الوقت، فالطفل أدرك معنى اللاوظيفية. ثم أن إدراكه بأن الإنسان أو الحيوان أو النبات جميعهم يموتون لأن لهم عمر زمني محدد فذلك يعني أن الطفل أدرك معنى العمومية.

كل هذه المفاهيم العقلية تعتمد على اكتساب الطفل لعمليات عقلية معينة كالاحتفاظ وهو أن يظل الطفل محتفظًا بالمعرفة السابقة فتغيّر الأحداث الحالية قد تشغل الذهن ويصعب عليه تذكر المرحلة السابقة. والمقلوبية التي تعني أن الطفل لا بد أن يفهم أن هناك نقطة بداية ونقطة نهاية وعليه أن يفهم ما يسمى بالمدى الزمني.إلى جانب العمومية والتسلسل والزمن بفروعه المتعددة -سنعمل على شرحها في مقال آخر يوضح معناها وخطوات تنميتها عند الأطفال-.

ولقد أشار بياجيه أن الطفل لا يمكنه إدراك مفهوم الموت في مرحلة ما قبل العمليات أي من عمر 2- 6 سنوات لأنه لا يتمكن من آداء العمليات العقلية سابقة الذكر. وبذلك فإنه ليس قبل العاشرة حتى يتمكن الطفل من فهم الموت بالشكل المتكامل بالفروع الأربعة.

يوجد هناك دراسات معاصرة عارضت بياجيه وأشارت أن الطفل بامكانه إدراك معنى الموت في سن ما قبل العاشرة.ولنجعل الفيصل في الأمر هو الطفل،ومستوى وعيه ونموه المعرفي والعاطفي، ومدى استعداده لاستقبال مفهوم الموت حتى بأبسط صورة.

إذا معنى الموت أن الإنسان عندما يفارق الحياة لا يمكن أن يعود لها مرة أخرى لأن الوقت يسير في خط لاعودة فيه، وأن جميع الكائنات تموت لا محالة في عمر محدد لها وموتها يتسبب في تعطل كامل وظائف الجسم.

ولكن كيف ننقل للأطفال معنى الموت؟

1-     الصدق في المعلومات والوضوح

لا نخبر الطفل أن الميت سافر أو أنه ذهب للنوم، هذا الأسلوب مزعج ومقلق للطفل هو يذهب للنوم كل يوم هل سيموت هو أيضًا؟ أو هل سيموت والده لأنه سافر؟. نقول أن الإنسان يتكون من جزئين وهما الروح والجسد. فإذا مات الإنسان فإن جسده يدفن تحت الأرض وأما روحه فتذهب لعالم البرزخ وهو عالم أخبرنا الله ورسوله باسمه ولكننا لا نعلم عنه الكثير، ونستدل بذلك بأن الطفل عندما يكون في بطن أمه يخرج إلى عالم جديد وهي الحياة الدنيا أيضًا الميت يخرج من الدنيا إلى عالم البرزخ.

2-     شرح المعنى من خلال الحقائق العلمية

من خلال التحدث ببساطة عن المفاهيم الفرعية السابقة من خلال مثال واحد واضح. نقول: الفراشة هي من الكائنات الحية التي خلقها الله، تبدأ في البيضة ثم تصبح يرقة ثم شرنقة ثم فراشة مكتملة النمو، تخرج للحياة وتعيش عمرها المحدد الذي لا يزيد عن ستة أشهر في بعض أنواع الفراشات، ثم بعد ذلك تموت عندما يشاء الله بذلك فتتوقف أعضاءها عن العمل فلا ينبض قلبها ولا تتنفس ولا تأكل ولا تسمع.

في عملية تقديم أي مفهوم للطفل يجب أن نعرّف المصطلحات للطفل ونتأكد من فهمه لها. فهنا نحتاج لأن يفهم الطفل معنى “الكائنات الحية” وماذا يعني أن تتوقف جميع أعضاء الجسم عن العمل؟.

وفي حالة حدوث الوفاة لأحد أقرباء الطفل علينا اتباع الآتي:

1- نقل الخبر للطفل بنفس الخطوات التي ذكرناها بالأعلى.

2- عرض الطفل على أخصائي نفسي عند الحاجة او منذ بداية الحادثة ، لان الأخصائي سيساعد الطفل على استعياب الحادثة أو متابعة الانفعالات النفسية للطفل والحفاظ على استقرارها.

3- طمأنة الطفل وإخباره أنه يوجد هناك العديد من الأشخاص في حياته، هناك أخوان وخالات وعمات وكلهم موجودين حوله وهناك دائمًا من سيعتني به.

4- التحدث مع الطفل عن لطف الله وأنه يرى حزنه وهو معه وسيعوضه خيرًا، وأن الميت ذهب لرحمة الله وهو الآن يحب أن ندعوا له، ونعلم الطفل هنا طريقة الدعاء برفع اليدين.

5- إخبار الطفل بأن الحياة ستسير وكل الأمور التي اعتاد فعلها ستمضي في طريقها كما هي، والاعتراف بأن هذه الأيام صعبة لكنها ستمضي وستأتي أيام جميلة.

6-عمل أنشطة ترويحية للطفل، كالتنزه والسفر.

7- محاولة دمج الطفل في أنشطة جماعية مع الأقران.

8- التحدث مع الطفل حول مستقبله والأشياء الجميلة التي ينوي فعلها في الأيام القادمة.

9- التأكد دائمًا من أن الطفل يعبر عن حزنه وألمه وأنه ليس في حالة كبت، ويمكن ذلك من خلال لعبة مكعب المشاعر أو سؤال الطفل عن مشاعره بصورة مباشرة إن كان متمكنًا من التعبير فنقول مثلَا ما الذي تشعر به؟ أو كيف كان يومك؟.

_____________________________________________

المصادر

– زامكة،غادة (2016) المنظور العقلي في كيفية فهم الأطفال لمعنى الموت كمعرفة علمية.رسالة دكتوارة غير منشورة.بريطانيا: جامعة Hull