لصحة الطفل العاطفية: هذا ما يحتاجه الطفل من المربّي…

كتبته: غيداء جمعان

هناك أسئلة تعيش بيننا يوميًا ويكثر تداولها، ومع ذلك قد لا نملك إجابة محددة عنها، وربما هذا ما يجعلها محورًا دائمًا لنقاشاتنا.

واحدة من أهم تلك الأسئلة هي التي تفتش في مرحلة الطفولة.. هل حظينا بطفولة سعيدة؟ هل وجدنا فيها ما نحتاج في تلك المرحلة؟ من المربي المخلص الذي يحتاجه الطفل؟

لا توجد إجابة مختصرة ومحددة عما يحب أن تكون عليه الطفولة الصحية عاطفيًا للطفل، ولا ضمان لتلبية كافة احتياجات الطفل في تلك المرحلة، ولكن كي ينشأ طفل سعيد ومتزن لا يجد في كبره أنه مثقلًا بتجارب وقضايا حاسمة في طفولته مازالت تؤثر عليه؛ فإننا نستطيع أن نعطي تصورًا عما يجب أن يكون عليه المربي الجيد.

أقدّر قيمتك:

يحب كل منا أن يشعر أنَّه قيمة بذاته، وأن قيمته لدى من يحب محرّرة ليست مرتبطة بإنجاز أو منصب أو أي شيء آخر. وكذلك الطفل من حقه أن يشعر بقيمة ذاته في عين أبويه دون الحاجة لتحقيق هدف ما يستوجب ربط قيمة الطفل بها أو بأيّ شيء آخر يمكن أن يساهم الطفل في تحقيقه. وستبقى على ذلك حاجاته وسعادته وصحته أولوية لا يقدم عليها شيئًا، ويُجتهد في تحقيقها على أكمل وجه دون مقابل.

وعندما يكون المربّي محسنًا مع طفله مقدرًا لقيمته، ويقدم له حبًّا غير مرتبط بفعلٍ معين، فسيكون ذلك سببًا لينشأ الطفل على معروفه والاعتراف برد الجميل له تلقائيًا، فقد لاقى منه الإحسان في المعاملة ولم يؤذَ منه، ولم يحاسبه عن تلك الاحتياجات التي قُدمت عليها حاجات الطفل آنذاك.

سأجد وقتًا نوعيَا أقضيه بجانبك:

لا يمكن تقديم أي شيء جيد دون توافر وقت كافٍ لاختباره أو ممارسته. وبالنسبة للأطفال، فإنَّ توفير وقت نوعي معهم يشكّل فارقًا كبيرًا في نموهم وتطور مهاراتهم.؛ لذا فعند قضاء وقت جيد معهم، تستطيع مراجعة التجارب السعيدة والمربكة التي مروّا بها، ومن خلالها تستطيع الكشف عن تلك المواقف التي تحتاج لحوار آمن ينمِّي عقل الطفل كتجربة ثرية بحد ذاتها، وفيها ينفتح الطفل على فهم حاجاته النفسية والتعرف على أسلوب التعامل معها.

حمايتك وأمانك هما من أهم مسؤولياتي تجاهك:

حتى في أفضل البيئات الاجتماعية قد يتعرض الطفل لما قد يزعزع أمانه النفسي أو يلحق الضرر بجسده، و كل ما يضمن سلامة الطفل وأمانه النفسي والجسدي يبقى مقدمًا وفوق كل اعتبار؛ لذلك فإنَّ تعليم الطفل كيفية حماية جسده من الضرب والتحرش أمر ضروري، والتدخل للدفاع عنه ورد اعتباره بعد حادثة تنمر أو عند محاولة إحراجه أو إحباطه هو مسؤولية توجب اتخاذ ردة فعل مباشرة ومناسبة.

لست الأفضل، ولكنني سأعينك على أن تكون نسخة فضلى:

يحتضن المربّي الجيّد عيوبه ونواقصه يفهمها ويحترمها، ولا يتوقع أن يكون الطفل أفضل منه فيها، ويدرك أنه يمكن للطفل التفوق عليه ويسمح له بتجاوزه، ولا يحمل الطفل أي مسؤولية يعتقد أن من شأنها أن تعمل على ترميم ثقته أو إصلاح علاقته بنفسه – المربي- أو تهذيب صورته أمام مرآة المجتمع، ولا يشعر أن الطفل في موضع تنافس معه بأيّ شكل أو أنَّه بحاجة للإثبات ممن حوله بأنه مربٍ جيد أو مثالي.

أنا معك في رحلة فهم العالم من حولك:

يتوق الطفل لمعرفة الكثير عن العالم من حوله؛ لذلك فهو بحاجة لمن يبسّط له هذا العالم الكبير ويساعده على إدراك كل تلك المفاهيم التي يختبرها من خلال تجاربه، ويعلمه كيف يعيد النظر فيما يعتقده عن ذاته ومعتقداته ومجتمعه. ولا شك في أنَّ ذلك يبدو مجهدًا ومعتمدًا على مهارات عدة؛ لكنها كالرحلة التي يقضيها الطفل معك لفترة طويلة حتى يصل ويتمكّن من إعادة ترتيب ما استشكل عليه استنادًا إلى تلك الأساليب والمهارات التي أتقنها بمعونتك.

لك الحق في التعبير عن كل شعور يمر بك:

يزدهر الطفل في وسط البيئة التي تقدم له الأمان النفسي في صورة السماح له بالتعبير عن غضبه وقلقه وخوفه، والرفض والقبول بكل أريحية، وفي وجود شخص من يتحمل أخطاءه وزلاته وما يزعجه، ويخمن الأسباب، رفقًا به قبل عتابه ومحاسبته عليها أو ابتزازه بها أو الإساءة لذات الطفل أو لِما يشعر.

أنت كائن مستقل:

المربي الذي يحتاجه الطفل لينمو مستقلًا وواثقا هو ذلك المربي الذي يؤمن أن طفله له كيان مستقل وذات وهوية لا يقبل المساس بها، بل يذود عنها ويدعم كل ما يعززها لدى الطفل، يفخر الطفل بذاته ويحتفي بكل إنجاز يحققه ويطمح دائمًا أن يصل طفله لما يحب ويرضاه لأجله هو، وبأسلوبه الخاص، فيكون ما يريد أن يكونه الطفل نفسه، لا ما يحب أن يكون عليه طفله، أو أن يحقق الصورة التي يرضاها المجتمع عن أفراده.

سنتجاوز المحن سويًا، وسأعلمك كيف تتخطى الصعاب:

 مع مرور الأيام يتشرب الأطفال معاملة وأسلوب تحدث المربي معهم، وتصبح طريقته وكلماته هي الصوت الداخلي الذي يحدث الطفل به نفسه؛ لذلك يكون احتواء ألمه ومساعدته على الهدوء وتبصيره بالنقاط الجيدة في نفسه عندما لا يستطيع أن يبصرها في نفسه هو الأسلوب الأمثل الذي سيأخذه عنه المربي في تخطي مصاعبه مستقبلًا، مع مراعاة تقوية الطفل واختيار المعارك التي يزج به فيها، ومن خلالها يستطيع أن يطور مصادره وأساليبه في مواجهة الأزمات.

أنت مثلما أنت، محبوب ومقبول دائمًا:

يغيّر تقبّل المربي للطفل في معادلة قبول الطفل لذاته وقبول المجتمع له، تقبل يشهد فيه الحب المعبر عنه بالاحتضان والثناء بالكلمات وأن أفكاره وأفعاله تعطى أفضل تفسير للنهوض به، فيعان الطفل على أن يكون ما يريد بعيوبه الخاصة؛ مما لا يجبره على أن يكون في موضع التبرير والدفاع عن نفسه، فلين المربي عند رؤية الجانب الصعب  يؤكد للطفل أنَّه ليس مضطرًا للتنازل عند كل منعطف، ولا يوجد خطة يجب اتباعها ليتم تقبله وبها يتمتع الطفل بالحرية التي تمنحه المرونة أمام متطلبات المجتمع دون أن يجد نفسه بحاجة لمواجهة ذلك بالدفاع الحاد والتمرد ودون أن يكون موضع التطرف بين الانصياع العبودي أو الانسلاخ عن الذات وتدميرها.

علاقتي بك دائمة ومتماسكة مهما حدث:

العلاقة الوثيقة السوية بين الطفل والمربي تبني فهم الطفل للعلاقات في حياته وثقته بها. فمنذ الصغر ثقة الطفل باستقرار المربي وبوجوده بجانبه كل يوم تمثل للطفل قاعدة ثابته وملجأ ًآمنًا يعود إليه عندما يواجه صعوبات، فكأنه يقول لنفسه إنَّ هناك من سيكون مرجعًا ثابتًا لحمايتي؛ لذلك أنا قادر على الخروج لاكتشاف العالم، ولتطوير العلاقات من حولي، وسأكون قادرًا على تجاوز التجارب المربكة. وهذه العلاقة الموثوقة بينهما ستحمي الطفل من أن يكون أنانيًا، ذلك أنَّ الأناني لم يجد كفايته من الحب والاهتمام، خلافًا لما نعتقد بأنه فاض من الحب.

وبهذه العلاقة المتينة التي يجد فيها الطفل مربيًا مطمئنًا يمكن التنبؤ بأفعاله، يطوّر الطفل الثقة بالعلاقات في حياته، معتقدًا بأنَّ تلك العلاقة التي حظي بها مع المربي تؤكد وجود علاقات أخرى طيبة يمكن بناؤها والنمو فيها وإعادتها للمسار الصحيح عند نشوب خلاف فيها، وعلى ذلك لا نجد أنَّه يقبل على نفسه أن يكون في علاقات مؤذية تفعّل نظام التعود على الألم والقسوة في العلاقات منذ الصغر.

سأحاول جاهدًا توفير كل المهارات والتجارب التي تصقلك:

الطفولة مرحلة أساسية لاكتشاف الطفل لهواياته ومواطن نقاط قوته، وتعريض الطفل لتجارب عديدة أمرٌ يعد استثمارًا لطفولته ومعينًا له على فهم وتطوير نفسه. يحتاج الطفل أن يكون له عالم خاص يمارس خلاله أنشطته التي يهواها ويختبر فيها كل جديد عليه، ويكون بجانبه مرّبٍ يدعمه ويوجهه؛ من أجل أن يصقل شخصيته ويزيد عالم الطفل اتساعًا بما يهوى ويحتاج.

وفي خضم كل ما سبق علينا أن ندرك تمامًا أنًه لم ولن يوجد أبوان أو مقدمو رعاية مثاليون لا يُخفقون، أو لم يخفقوا، ولكن الفرق يبقى فيمن أخفق بشكلٍ جزئي في بعض حاجات الطفل، أو أهمل كليًا رعايته وتربيته، وفي الاعتراف بالخطأ ومعالجته والسعي والاجتهاد لإدراك أسس التنشئة.

ومع إحاطتنا بكل ما وصلنا له من أساليب وأسس، فنحن نميز أننا ما زلنا نجتهد في أن نفهم أنفسنا من خلال أطفالنا، ومن ثم نعاود خلق التواصل الأمثل فيما بيننا؛ وما زلنا نحاول أن نصوغ شكل الحب الذي هو عماد التنشئة السليمة والذي يبدو معقدًا بقدر ما يبدو بسيطًا.